نبات البردى من أشهر النباتات التى عرفها الإنسان منذ فجر التاريخ، وهو نبات مائى ينمو فى المستنقعات العذبة والأراضى الضحلة التى يغطيها الماء إلى عمق لا يزيد عن 50 سم أو جوانب الترع والأراضى شديدة الرطوبة أو المياه المالحة.
وهذا النبات من ذوات الفلقة الواحدة وأسمه باللاتينى (سايبس بابيروس)، ولذا فإنه من جنس (السايبرس) أحد أجنلس الفصيلة السعدية ويوجد بمصر من هذا الجنس ما يقرب من سبعين نوعًا منها البردى(سايبرس بابيروس) وان كان لم يعد ينمو فى مصر إلا كنبات للزينة وفى بعض الحدائق
إلا أنه ظل ينمو فى مصر بوفرة حتى عام 1820م ويتكون هذا النبات من ساق أرضية تعرف باسم "الرايزوم" تمتد عادة فى الغرين الذى يكون سطح المستنقعات، وهذه الساق ترسل جذورًا تمتد إلى أسفل داخل الطين لتحصل على الغذاء اللازم
، كما يتكون فى الجزء العلوى من "الرازيزوم" براعم تتحول فيما بعد إلى أغصان هوائية (الساق) وهى ذات قطع ثلاثى تكون عادة غليظة فى أجزائها السفلى ثم تضمر تدريجيًا كلما اتجهنا إلى قمة الساق حتى تنتهى فى أعلى الساق ببرعم يتفتح عن خيوط خضراء كثيرة
وهو ما يعطينا شكل "زهرة" وتكسو ساق البردى قشرة خضراء ولا يحمل الساق اى عقد ويغلف الجزء الأسفل من الساق المغمورة فى الماء بعض الأوراق الحرشفية. يتراوح عددها بين خمس وتسع ورقات حمراء اللون وهى غضة.
استخدم القدماء المصريين البردى فى استخدامات كثيرة، فقد صنعوا من الساق حبال (عينات منها توجد بالمتحف المصرى)، كذلك أستخدم فى صناعة الحصير للجلوس عليه، أو لتغليف جثث الموتى قبل دفنها بعد عملية التحنيط وصنع الكهنة من نخاع البردى الصنادل التى كانوا يتنعلونها.
كذلك استطع المصرى القديم الاستفادة من خاصية قلة كثافته والطفو فوق الماء فصنع منها القوارب والمراكب الكبيرة المستخدمة فى صيد الأسماك والطيور
وكان نبات البردى من ضمن المواد الأولى التى استخدامها القدماء المصريين فى بناء أكواخهم ومع تطور استخدام مواد البناء، مثل: الحجر الجيرى والجرانيت إلا أنهم ظلوا متأثرين بنباتات البيئة المحيطة بهم.
ولعل أهم استخدام لنبات البردى هو صنع أوراق البردى أو لفائف البردى كمادة للكتابة والتدوين. ولما كان نبات البردى من أشهر النباتات الطبيعية فى مصر، لذا أطلق المصريين على هذا النبات أسماء متعدد أكثرها شيوعًا أسم محيت"mhit" وإلى جانب ذلك أطلقوا على الساق اسم "واج" كما أطلقوا على عود البردى "واج" .ن. محيت wid.n.mhit ،). كذلك أطلقوا عليه اسم "حا" شكل
وأطلقوا على حزمة من سيقان البردى اسم "محو". أما أحراش البردى فقد أطلقوا عليها اسم "ثوفى" أو "ثوف" ، ولم يكتف المصريين القدماء بالتعبير عن نبات البردى بالأسماء السابقة فزادوا عليها اسم "منح" mnh) أو منحى mnhi وكذلك "إتر" itr بمعنى البردى أو بعض أجزائه كالقشور المنزوعة منه بغرض التصنيع
.
صنع ورق البردى رغم وفرة صور الحياة المصرية القديمة التى سجلت على المقابر والمعابد والآثار إلا أنه إلى الآن لم يصل إلينا أى مناظر لصناعة البردى سوى منظر واحد من مقبرة "ببويمرع" من الأسرة الثانية عشر بالأقصر. وهو يمثل رجلين يقفان فى زورق من البردى فى أحد المستنقعات ويقوم أحدهما بتقليع أعواد البردى،
أما الآخر يقوم بربط ما تم اقتلاعه منها فى حزم حيث يقوم شخص ثالث بنقلها لرابع يجلس منهمك فى أعداد سيقان البردى وتجهيزها لصناعة الورق حيث صور، وهو ممسك بطرفى ساق منها بعد قطع زهرتها بين أصابع قدمه اليسرى وأصابع يده اليسرى ويقوم بنزع قشرتها الخارجية بيده اليمنى.
ولا يوجد شك فى أنه منظر يمثل عملية أعداد النبات لتصنيعه. وقد قام كثير من العلماء بمحاولات لتصنيع البردى حديثًا منهم بروس Bruce J مع بدايية القرن التاسع عشر الميلادى والفريد لوكاس إلى أن نجح "باتسكوم جن " B.Gunn فى صنع عينة فاخرة من النبات موجودة الآن بالمتحف المصرى. وتمتاز بمتانتها وقوتها وقابليتها للالتواء، وقد أتبع الخطوات الآتية
قطع سيقان البردى وهى خضراء إلى أطوال يسهل تناولها، ثم نزع قشرتها الخارجية وشق اللب الداخلى إلى شرائح سميكة ليس من الضرورى أن تكون ذات سمك واحد تمامًا، وذلك بعمل حزوز فى أحد طرفى لب ساق البردى،
ثم يؤتى بقماش يمتص الماء ويوضع على خوان ونصف عليه هذه الشرائح بحيث كان متازنة ومتداخلة قليًلا. وتغطى بقطعة قماش ويدق عليها لمدة ساعة أو ساعتين بمدق ثم توضع فى مكابس لبضع ساعات فتلتحم الشرائح وتتماسك دون استخدام أى مواد لاصقة.
غير أن أنجح المحاولات الحديثة لصناعة البردى تلك التى قام بها الدكتور مهندس/ حسن فهمى رجب مدير وصاحب متحف د/رجب للبردى، حيث بدأ عام 1961 م فى محاولة الحصول على عينة من نبات البردى الموجود بوادى النطرون
واستطاع زرعها فى مزرعته بجزيرة يعقوب وقد قام بالعديد من التجارب والأبحاث ونجح بعد سنوات من إنتاج نوع من البردى شديد الشبة بأوراق البردى الموجودة فى المتحف المصرى بالقاهرة.
1.
وكان من أهم استناجاته أن صنع ورق البردى لا يتم فيه أى ناحية كيميائية وتلتصق الشرائح بعضها البعض دون استخدام أى أنواع من مواد اللصق
استخدم المصريون القدماء البردى كأوراق للكتابة عليه فى لفائف طويلة تصل فى بعض الأحيان إلى45 مترا تقريبًا وهى بردية هارس الأولى.
وكان يراعى عند عمل اللفة أن تلصق أطراف الصفحات بعضها ببعض بواسطة مادة نشوية لاصقة، بحيث تغطى كل صفحة ما يقرب من 1 – 2 سم من الطرف الشمالى للصفحة التالية لها
ويسمى هذا الجزء بالوصلة، وهى تمتاز بخشونتها وزيادة سمكها، وتكون الوصلة دائماً زاوية قائمة مع الألياف الأفقية للصفحات، وقد أطلق المصريون على كل ورقة أو صفحة منها اسم "قعحت".
وقد كانت بداية ونهاية اللف، وهى أكثر أجزائها عرضة للتلف يقويان بشرائح تلصق من أسفل لحمايتها، وكان يراعى عند لصق صفحات اللفة مع بعضها أن تكون جميع الألياف الأفقية للصفحات على الوجه الأول والألياف الرأسية على الجانب الآخر، فيما عدا حالات قليلة جداً كان الكاتب يقوم بلصقها خطى.
وكان وجه اللغة ويسمىRecto هو الذى يكون من الجانب ذى الألياف الأفقية للصفحات، وهو المخصص أصلاً للكتابة، بينما الظهر يسمىVerso ويتكون من الجانب ذى الألياف الرأسية للصفحات، التى تكون متوازية مع الألياف (الوصلات) وكانت البردية تطوى عادة بحيث تكون أليافها الأفقية داخل اللفة، أما الألياف الرأسية، وهى ظهر اللفة فتكون من الخارج.
وكانت ملفات البردى بعد الانتهاء منها تطوى على هيئة أسطوانة تقريبًا ارتفاعها هو نفس ارتفاع الصفحات التى تتكون منها اللفة، بينما يتوقف سمكها على عدد الصفحات وكانت البرديات الرومانية تلف حول ساق خشبية أو حول قطعة من العظم
كان المصرى القديم يبدأ كتابته على الجانب ذى الألياف الأفقية من اللفة، وعند الانتهاء من هذا الجانب كان يتم موضوعة على الجانب الآخر ذى الألياف الرأسية.
وقد استخدم المصرى القديم الخط الأفقى والرأسى فى الكتابة على البردى، ثم اقتصر الخط على الخط الأفقى فقط منذ الدولة الوسطى وأصبح الخط الرأسى مقصورًا على بعض العناوين. وكان الكاتب هامشًا دون كتابة تقوى بشرائح من ورق البردى باتساع يتراوح بين 5 سم و 9 سم حيث إنها أكثر أجزاء البرية عرضة للتلف.
ولم يكن الكاتب المصرى مهتما بترقيم صفحاته ولم توجد الأرقام إلا فى بردية واحدة هى بردية إبرز Ebrs التى رقمت صفحاتها من رقم (1) إلى رقم (110) مع إغفال الصفحتين 28، 29.
وكان الكاتب يكتب موضوعاته على ورق البردى، دون ترك فراغ عند بداية السطر الأول أو مع بدايات الفصول والفقرات المتتالية ولم يكن يميزها غير بعض الكلمات التى تكتب بالمداد الأحمر وستمر حتى نهاية الموضوع.
وأحيانًا كان الكاتب يكتب العنوان على ظهر البردية من الصفحة الأولى بحيث يمكن قراءتها بعد لف البردية. وكان يصحح الكاتب أخطائه بالحبر الأحمر أو بإزالته.
واستخدم المصرى القديم الحبر (المداد) من كربونات الكالسيوم (اللون الأبيض) والكربون(اللون الأسود) وكبريتات الكالسيوم(اللون الأصفر) والهيماتيت (اللون البنى) وأكسيد الرصاص الحمر(اللون الأحمر) أما اللون الأزرق والأخضر كانا من الزجاج المسحوق. وكانت الألوان تصنع على هيئة أقراص بعد سحق المادة جيدًا ثم مزجه بالصمغ والماء ثم تجف للاستعمال.
على أنه لم يستخدم فى الكتابة سوى اللونين الأسود والأحمر، أما باقى الألوان فكانت تستخدم فى التلوين، واللون الأسود يرجع تاريخ استخدامه فى الكتابة بمصر إلى عصر ما قبل الأسرات سنة 3400 ق. م.
استخدم الكتبة المصريون المداد الأسود فى كتابة موضوعاتهم المختلفة على ملفات البردى أما استخدام اللون الأحمر فكان محدوداً فى بادىء الأمر، واعتاد المصريين القدماء منذ بداية الدولة الوسطى على كتابة الشهر واليوم فى تواريخهم باللون الأحمر، فيما عدا بعض الحالات.
وفى الموضوعات الأدبية فحين تقسم إلى جمل صغيرة كان يضع نقطة صغيرة حمراء أو كان يبدأ الجملة أو الفقرة باللون الأحمر أو كتابة الكلمات المراد إظهارها لأهميتها وكذلك فى كتابة الكلمات الختامية من كل بردية. وقد استخدم المصرى القديم البردى للرسم والتلوين، كما استخدمه للكتابة عليه ونرى ذلك فى كتاب الموتى الذى كان يوضع مع المتوفى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق