الأربعاء، 6 يونيو 2012

دور الجيش المصري في الحضارة الفرعونية


مع بداية الحضارة المصرية القديمة وبدء تكوين المجتمعات والقرى والمدن ثم الأقاليم ومن بعدها الممالك، كانت فكرة تكوين جيش نظامى تتبلور فى المجتمع المصرى شيئًا فشيئًا. مع مرور الزمن بدأت مصر فى تكوين جيش منظم تكون مهمته الأولى هى حماية كيان المجتمع الذى يحميه سواء إقليم أو دولة أو مملكة موحدة وذلك باستتباب الأمن فى ربوع مصر وحماية الحدود المصرية فى الشرق أو الغرب أو الجنوب أو الشمال.

ومع بداية العصور التاريخية التى تبدأ بوحدة شطرى البلاد الجنوب والشمال على يد الملك "نارمر" عام 3200 ق.م تقريبًا وقبل هذه الوحدة بمئات السنين شهدت مصر تكوين جيوش سواء فى الجنوب أو الشمال وحدوث معارك طاحنة بين أقاليم مصر انتهى بهذه الوحدة وتشهد الآثار المتبقية من هذه الأزمان أن مصر عرفت الجيوش المنظمة، فهناك إلى جانب حاملى الحراب، كان يوجد حاملى السهام والنبال ودبابيس القتال المختلفة وهناك القوات المترجلة والبحرية سواء فى الأنهار أو البحيرات ثم بعد ذلك فى البحار ويقود هذه الجيوش المئات من القادة الصغار ثم كبار القادة ثم الملوك الذين كانوا يقودون جيوشهم أثناء القتال، وذكروا على الآثار الصغيرة انتصاراتهم ضد أعدائهم.

زاد على ذلك، خلال العصور التاريخية وخاصة خلال الدولة القديمة (2700 – 2200 ق.م) وظهور القوات البحرية الضخمة المتمثلة فى الأسطول المصرى أثناء حكم الملك (ساحو رع ) أحد ملوك الأسرة الخامسة وقبله حكم الملك سنفرو مؤسس الأسرة الرابعة الذى أرسل أسطولاً مكونًا من 40 سفينة إلى فنيقيا

وكذلك أثناء الدولة الوسطى (2062 – 1675 ق.م) وحملات أمنمحات وسنوسرت

وكذلك أيام الدولة الحديثة (1575 – 950 ق.م) والتى تزخر معابدها بالعديد من رسوم تمثل الحروب التى قادها ملوكها ضد أعداء مصر سواء فى الشرق أو الغرب أو الجنوب ومن أشهرها معارك الملك رمسيس الثانى ورمسيس الثالث وقبلهم تحتمس الثالث وغيرهم من الملوك

فقد كان الهدف الأساسى للجيش المصرى هو الدفاع فقط لا الغزو من أجل السيطرة ولم تشهد مصر يومًا حمالات استعمارية الغرض منها الاحتلال للبلاد الأجنبية واستغلال ثروات الشعوب وقهرهم وفرض الهيمنة المصرية على الشعوب الأخرى. وهذا نابع من خصائص طبيعة المصريين القدماء والمعاصرين من روح التسامح والمحبة وحب الحياة والسلام الذى اكتسبها عبر السنين من طبيعة أرض مصر.

فقد كانت المهمة الأساسية للجيش المصرى حفظ الأمن والنظام فى مصر وحماية الحدود الخارجية مع دول الجوار سواء فى الشرق أو الجنوب أو الغرب

وإلى جانب هذا الهدف الأساسى كان هناك مهام أخرى منها حماية القوافل التجارية والبعثات الاستكشافية للمناجم والمحاجر ومن أقدم الأدلة لوحة الملك "دن" وهو يُؤدب بعض قبائل الصحراء فى سيناء فى حملة عسكرية التى اعترضت بعض هذه القوافل التجارية الآتية من لبنان (فنيقيا) المحملة بخشب الأبنوس.

وحملة أخرى للملك (جر) ضد نوبيين عند وادى حلفا وهما من ملوك الأسرة الأولى (3200 – 2950 ق.م). كذلك بعض المعارك مع الأعداء من غرب مصر من الليبيين خلال عهد الملوك (نى نثر) و (برايب سن) من ملوك الأسرة الثانية (2950 – 2700 ق.م).

وخلال الدولة القديمة (2700 – 2200 ق.م) نجد الملك (زوسر) يُؤدب بعض قبائل سيناء لمهاجمتهم البعثات المخصصة لجلب النحاس من شبه جزيرة سيناء. وكذلك الملك (سنفرو) و (خوفو) و (ساحو رع) الذى امتد نشاطه التجارى إلى جنوب اليونان


ومن أشهر الحملات العسكرية حملة (أونى) التى اشترك فيها الجيش من البر مع الأسطول من البحر لأول مرة فى التاريخ ضد الآسيويين الذين كانوا من حين لآخر يقومون بمهاجمة القوافل والحملات الاستكشافية المصرية أو التعدى على حدود مصر الشرقية.
وخلال الدولة الوسطى (2062 – 1675 ق.م) نجد أنه بعد الوحدة الثانية على يد الملك "منتوحت الثانى" يرسل العديد من الحملات التأديبية فى الصحراء الغربية ضد الليبيين، كذلك أرسل أسطوله للبحر الأحمر إلى "بونت" لإخطار المرمر.

وكذلك فى عصر أمنمحات الأول الذى أقام لجيشه العديد من الحصون على حدود مصر الشرقية والتى سميت (أسوار الحكام) وكذلك (سنوسرت) الثالث الذى قام بحملات عديدة ضد القبائل الآسيوية. وكذلك أقامت مصر العديد من الحصون فى الجنوب مثل حصن (سمنة) و(قمنه) و(بوهن).

وكانت كل هذه الحصون والقلاع للدفاع عن مصر وليست للهجوم على البلدان المجاورة حيث استلزم اتساع رقعة البلاد إلى الشرق والغرب والجنوب إلى انتشار العديد من هذه الحصون كنقط دفاع وخط دفاع أول ضد أعداء مصر ومراكز إنذار مبكر فى حالة تهديد أمن مصر لاستنفار جيشها وشعبها للدفاع عن أرضه

وفى خلال الدولة الحديثة (1575 – 950 ق.م) كان نشاط الجيش هو الأكبر حيث شهدت مصر هجمات من الهكسوس (1675 – 1575 ق.م) واحتلالهم شمال البلاد لمدة حوالى مائة عام حتى استطاع (أحمس) الأول طردهم وتوحيد البلاد للمرة الثالثة ودخول مصر عصر الدولة الحديثة الذى شهد العديد من الحملات العسكرية المصرية خارج الحدود من أشهر المعارك معارك "رمسيس الثانى" فى قادش ضد الحيثيين والتى سجلت على آثاره فى معبد أبى سمبل والأقصر والكرنك وكذلك معارك (رمسيس) الثالث فى مجدو المسجلة على جدران معبده فى مدينة هابو بالبر الغربى للأقصر

 وهذه الحملات كانت أيضاً بغرض الدفاع لا بغرض الغزو حيث كان الآشوريين والحيثيين فى العراق وسوريا يقلبون الشعوب ضد مصر ويثيرون القلاقل ضد أمن مصر. وفى عهد الأسرة العشرين وخلال حكم الملك "رمسيس الثالث" عام 1174 ق.م تعرضت مصر لهجمات من الشمال لأول مرة من شعوب البحر، الأمر الذى استلزم بناء تحصينات على مصبات أفرع النيل السبعة ودخول "رمسيس الثالث" معارك طاحنة حتى انتصر عليهم، هذا إلى جانب بعض الاعتداءات من الغرب والجنوب خلال الدولة الحديثة سجلها ملوك مصر على آثارهم

ولقد كان السبب الرئيس فى هذه الهجمات الاستعمارية على مصر طوال العصور المختلفة من الشرق والغرب والشمال والجنوب باستمرار لمكانة مصر الفريدة فى العالم وموقعها الاستراتيجى المتميز بين القارات الثلاث آسيا وإفريقيا وأوروبا وتحكمها فى الطرق البرية والبحرية للعالم العامل القوى لطمع دول العالم فى الاستيلاء عليها إلى جانب ثروات مصر الطبيعية من معادن وأحجار وأرض زراعية خصبة وجو معتدل طوال العام. 

هذه العوامل مجتمعة جعلت من مصر مطمعًا عبر العصور التاريخية بداية من العصور الفرعونية والعصر اليونانى الرومانى والإسلامى والحديث وحتى يومنا هذا.

فكان الجيش المصرى هو الضمان الأول والأخير لحماية مصر فى هذه الأخطار الخارجية للدفاع عن مصر وأرضها ضد الغزاة وإن كانت هناك فى بعض الأحيان حملات خارج حدود مصر قام بها ملوكها . كان الغرض منها القضاء على بؤر القوى الخارجية التى لا تغفل عن مهاجمة مصر مباشرةً أو يدفع بعض الشعوب الأخرى أمامها لمهاجمة مصر من حين إلى آخر

وإن كان لنا الحق فى وصف جيش مصر ودوره فى الحضارة المصرية يمكن أن نصفه بالجيش الراقى أو السامى أو المتحضر الذى يعمل بكل طاقته وجهده لحماية أرضه وأهله المصريين والمساهمة فى الأعمال المدنية كأحد عناصر تقدم الحضارة فى مصر ومراجعة الأعداء لأنفسهم فى التفكير إذا ما خططوا لمهاجمة مصر، ولم يكن يومًا جيش مستعمر أو غاصب رغم ما وصل إليه الجيش المصرى من أعداد كبيرة تُعد بالآلاف واستخدامه لكل أنواع الأسلحة المتطورة من عربات حديثة وأسطول كبير يمكن أن يفرض كلمته على أى من البلدان إلا أن العسكرية المصرية كان لها سماتها وخصائصها النبيلة، وكان هدفها دومًا الدفاع ثم الدفاع عن الأرض والعرض والنفس فقط لا غير


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق